الأربعاء، مارس 30، 2011

[ ملجأ المطر و أنا ......]





يحاصرني الوقت يرمي بثقل الماضي على أيامي , يعيد إلي رتابة مشاعري ..
ضوء طفولة يتسرب من خلف النافذة , يملأ حائط قلبي بضجيج الأطفال ..

يوسف , طفل الـ الثالثة عشر عام , تساءلت كثيراً ماذا لو لم أنفذ خطته المتقنة ذات صباح هل كنت سألتقي بكل هذا..؟

أحياناً يهدينا الوقت أقدارنا ولا نجرؤ على ركله في حين أننا نعلقه على أكتافنا ونمضي عكس كل الأشياء التي نعقد الاتفاق معها...!

ضحكاتنا مازلت تتردد كصوت أغنيةٍ قديمة لم يعلمونا إياها ,فحين أصبحنا خارج أسوار ذاك البناء الشاهق بالألم الممتلئ بالصمت , الغافي بالضجر , والمجروح بالرضى لأن الحياة أنجبتنا أمواتاً بها..!
وكأننا صنعنا للموت حياة من تحت سطوة و جبروت ذلك المسؤول , نظراتنا تعبر الأرصفة و تردد بتحدٍ وبخنا إن وجدت أزقة تشي بـ بؤسنا..!

كنت أمسك بالجريدة بيدٍ ترتجف , حين همست وملئ عيني خوف أن نعود , فهاهي الجرائد لا تخلوا من هذا الخبر الذي أصبح يلوكه الناس مع تلك الأخبار التي يذيبون تفاصيلها داخل فنجان القهوة ..
حكايا تتكرر داخل أسوار هذا الملجأ وليس هناك من حائط يجرؤ على المثول أمام أفواه الجرائد ويلجمها ..!!

من جديد اختفاء طفلين من ملجأ الأطفال يوسف طفل الثالثة عشر عام , و هاشم طفل العاشرة أحد المفقودين من ملجأ الأيتام .. تفاصيل الهرب مازالت قيد التحقيق ...
صورنا تعلوا أسماؤنا في كل جريدة ..!
الأمر ليوسف كان حلم وقد تحقق , ولي كان حلم بدأت أصعد درجاته ببطءٍ شديد بسبب تلك الرياح التي لا تعترف بالأعمار , ولا بلون الابتسامات..!!

كم من مرة نفتنى الأرض خارج فؤادها ..
وكم من مرة لعنتنا السماء لسرقة , أو لكذب و لملاطفة طفل ما وسرقة ما في حوزته من نقود ..!

ذات مساء وحين ضمتنا أحد الأزقة المتسخة ..
قال يوسف بأنه يرى نفسه أحد الرجال المهمين في هذا البلد القذر ..!
أخبرته بأنني سأظل أحمل في قلبي وفاء لهذا الحائط الذي نتكئ عليه وكأنه سندٌ لنا ..!
ابتسم يوسف بسخرية..
وقال : عني سأقدم له طلاءً جديداً كل عيد ..!

أنظر إليه ويحول دون حديثي هطول المطر , إذ أنني في كل لقاء بينه وبين الأرض أبكي ..!!
يوسف يحاول أن يمارس كذبة على الأطفال علي أيضاً ..!!
يدعي النوم بينما الأرض تصبح له منديل رطب !!

في يوم بائس وبعد أن أخذ الجوع منا كل طاقاتنا , عانقنا جثث أرواحنا بتهالك , ومضينا نحن وهي إلى أي شيء من الحلم في البقاء,,
الأمل برغيف , وأن تلين الأرصفة برداً , وأن يرسل الله في قلوب العابرين ليناً ..!

في تلك اللحظات من حياتي توقف عمري , ليمضي فجأة دوني بلا تذكرة مسبقة بالمغادرة بلا شيء تماماً من الحلم...!
يومها .. سرق يوسف حقيبة أحد السيدات وحدثتني عيناه أن أركض بكل ما أوتيت من بؤس خلفه كان يتبعنا رجلان ومن ثم أصبحوا ثلاثة ليصبح عددهم ضعف عددهم السابق !

لم نكن قد عبرنا الرصيف بعد..
توقفت أنا أثر ازدحام حركة السير وصرخت بيوسف أن يتوقف بل رجوته أيضا ..
ولكنه ككل مره ينفذ ما يخطط له , ابتسامة يوسف بدت تتلون بلون الدم , حتى قميصه الرمادي تغير لونه , ملامحه بدت أكثر رضى يوسف ذلك الأخ الحبيب ذلك الصديق أصبح طيراً طاهراً كما علمونا ..!

هكذا أنتي يا أقدار تسرقين أحلامنا حتى ابتسامتنا..!

- مسكينٌ ماااات , الموت رحمة له..!!
أي رحمة هذه..؟؟
إنها لعنة , من أين لي بعائلة غير يوسف ..!
من أين لي بعائلة غير يوسف ..!
من أين لي بعائلة غير يوسف ..!
مازال صوتهم يضج بأعماقي ..
- لقد مااااااات ..!
- لقد مات ..!
البعض لفظها بمرارة , والبعض همس بصوت أكثر سواداً أن هذه النهاية كنا نستحقها معا حقا تمنيت أن أكون مكانك يا يوسف !

آه من موتك يا يوسف كيف أشعل بداخلي لهيب فقد الأهل الذين ما عرفتهم إلا فيك !
آه من فاجعة موتك يا يوسف كيف هدت سقف حائطنا الذي كان بمثابة البقاء لنا !
آه من موتك يا يوسف كيف أبكى السماء , وأبى إلا أن يكون لونك مطر !

أعادوني إلى ذلك الملجأ وكأنهم قرروا أنك قد تخليت عني كما تخلى ذوي خالد عن وصايته ..!
كيف استطعت ترك ابن لك يا يوسف , وأنت كل هذه الدنيا لي ..!؟
في ذلك اليوم ..
أمطرت السماء كثيراً ..
وبكيت أنا ..
وأنت ..
كعادتك تنام عندما يهطل المطر !

ليال كثيرة أمضيتها وأنا أحاول إقناعك أن نخطط للهرب , وليال أخرى أمضيتها ، أحسب كم من العمر أصبح يملك حائطنا !
من يومها يا يوسف بدأت أشيخ..
و لم تنطق أنت بحرف..!
وحائطنا لا أعلم إن ضم عائله غيرنا و نسينا !

استيقظت ذات فجر ممطر أثر رؤيا رأيتك بها..!
بكيت كثيراً , لأول مرة لا تنام وعلى الأقل لا تدعي النوم ..
زرتني حقاً حدثتني و أخبرتني أن الطريق الذي مضيت به كان لأجل عائلتنا ..
لأجلنا ..
لأجل أن نعيش كلينا داخل بعضنا..!

رحلت مجبراً عن عالم صمتي حين أخبرني المسؤول أن أتبعه ..
تبعته ليس لأنني أصبحت أكثر سمعاً وطاعة ..!
لا بل لأن صورتك تحت المطر كانت تملأ عيني ..!
حسناً صدقت الرؤيا ..
أتت عائلة مساء ذلك اليوم لمقابلتي..!!

ولجت إلى غرفة المسؤول ..
مازالت تلفت انتباهي و إن كنت في أوج وجعي , كبيرة جداً , ممتلئة بالكتب التي أجزم أن رأس هذا المسؤول فارغ , إلا من أغلفتها..

كنت أمام أحد الرجال , كبيراً جداً, أنيقًا جداً , يبدوا أكثر هدوء مني ...
عتمة عينيه تشبه كثيراً حياتنا معا ..
عبرت إلي من عينيه أتصدق يا يوسف ؟
عبرت إلينا منه..!
صوت في أعماقي وعدك بأنه إن أصبح أباً لي ..
سأراك في عينيه كبير جداً دائماً..!
كل ما نظرت إليه...!

لم أعد أذكر كيف تمت الإجراءات ..
أذكر بأنني كنت سعيد جداً وأنا أترك حقائبي أمام باب الملجأ رافضاً حمل أي شيء منها , تماماً كما غادرناه ذات يوم ..!

يحدث أن نتبع ظلالنا , وإن كان الطريق حزن ..!

الحياة الجديدة التي ولجت إليها لم تعد تشبه أحزاننا !
أصبحت الابن الأكبر بعد أن رزقت عائلتي بفتاة أصبحت أقيم في فيلا فاخرة ..
لي عائلة ثرية وخدم يجثون لنزع حذائي !
أصبحت ثريا !!
هاهي الأسطورة التي كنا نتابع أحداثها سراً دون أن يعلم المسؤول تتحقق أصبحت فتى نبيلاً
اشتريت أشرطة تعرض ذلك الفلم , وأصبحت أشاهدة في نفس الموعد الذي كنا نراه به !
لأعود بعده إلى أحداث يومي وأنا أجمع كل الأحاديث لأحدثك عما أحسست به تجاه ذالك البأس !
كنت أراه صورة شفافة تشبهني كثيراً ..!

- أخطأ... ذلك الذي قال أننا لا نشبه إلا أنفسنا ..

أحيانا يرحل بنا الوقت لقعر الأماني !
وأحيانا تهطل السماء بالأحلام !
وحده القلب المعجون من اليتم لن ينسى كيف كان إحساس الأهل وإحساس أول فقد لهم..!

يوسف .. الآن أتمناك قربي كـألم طفولتي وأكثر ..!
صوت المطر لم يعد يبكيني كالسابق , بل أصبح وقعه شيء أعمق بداخلي , شيء يتناسب مع هذه البذلات التي أصبحت أرتديها ..!
هطوله أصبح يطرز شيء من الحديث الصامت داخلي ..
شيء من الخوف وخرافة بكاء الوقت عني وعنك..!

وحدة المطر , حين ترتديه الأرض يبكي غنينا , و فقيرنا...!
تحت حزن السماء , نتشابه ندعي الفرح ونرقص تحت دموعها , بحجم ألم كل ندبة صنعتها الحياة على أرواحنا !..
الآن : تشي بك خطوات الماضي ورائحة المطر حولي ..! .

مازال واقعي يأخذني إلى مساء اللقاء الأول بيننا ..!
كنت قد عدت من أخر امتحاناتي متهالك , أكاد أرمي بجسدي وما أحمل بداخله من شتات على أول عتبة لباب منزلنا ..
وحدث العكس تماماً حين أشرقت شمس ابتسامتك مودعة أختي ..
تلاقت نظراتنا وكم تمنيت أنني استطعت أن أعاكس الأقدار حين جمعتنا..
سألتني عن أحوالي ولم تنتظري جواباً , وكأنك كنت على معرفة بي منذ سنوات ..!
بل وكأنكِ تعيدين السؤال لشفتيك نادمة على طرحه ..!

حينها تدخلت أختي وعرفتني بك..

رددت اسمك مرتين وكأنني أعيد أمر ما من قلبي إلى عقلي ..!
اسمكِ أحد الأشياء التي تطابق ما جنت ذاكرتي من أعوامي الماضية ..
مع اختلاف كبير في جفاف محصولي..!

لا أعلم كيف تسلل النوم إلى أجفاني ..
شيء ما بكِ وضعني على طريق الحلم من جديد..
ورغم هذا كنت أتمنى أن لا أتوسدكِ حباً , كي لا تخونني أقداري بكِ ..!
هو الحب كالأبواب المشرعة يأذن لنا بالدخول , ليوصد من بعدنا الأبواب والنوافذ , ويبعثرنا..!!

كانت الأقدار تكتب لنا لقاءات دون سابق موعد ..!
نلتقي ..
نفترق ..
وفي كل مرةٍ لا تغادريني ..
ولا تمضين في اتجاهي ..!!

أبديت امتعاضاً حين أصرت أختي أن أصحبها بدلاً عن السائق , شيء ما داخلي كان يخافك و يهوى الهرب منكِ ..!
عفوية أتتني دعوتك لارتشاف فنجان قهوة في حديقة منزلكم , لم أستطيع أن أرفض ولم أتقدم خطوة , أنقذتني خطواتك التي سبقتنا إلى حيث كان كل شيء معد في ذلك اليوم أيقنت بأنك تجيدين قراءة تعابيري , تستطيعين انتشالي من غرقي دون أن يلحظ أحد شتاتي الداخلي , السماء كانت ملبدة بالغيوم تشبه تلك التي ترتجف داخلي رهبة من كل آت ....!
فجأة , هطل المطر ..
ومعه تحول اسمك إلى عطر من الحزن , وابتسامتك إلى أحدى عشر عام من شقائي ..!
رافقته أيضاً دموعك , وأحرقت صوتي , لم أجرؤ على شيء , وبعد صمت استطعت أن استأذنكم بالمغادرة لم أكن لأصدق المرآة حين رأيتني لم أحترق من الخارج بعد إثر دموعك ..!!

لا أعلم أي جنون أوقدتِ داخلي , فـ لأخر لحظة من عمري سأظل أتمنى أن مددتكِ بكتفي ليصبح عوناً لك في كل هطول لحزنكِ ..!
آنستي ..
هل سمعتِ يوماً ببكاء القلب ..؟

كانت تلك أول العبارات التي أكتبها لكِ ,
أرسلتها مع باقة من أزهار الأوركيد تلك التي تشبهك في كل شيء .. ودونت رقمي آخر الرسالة ...

ما بارح الهاتف عين قلبي , ذلك اليوم ..
انتظرتك النهار كله ..
انتظرتك الليل كله ..
و ولد يوم من الحب اليتيم في تاريخي ..
ولم تتصلي .!
تناسيت أمرك , فسكنتني !
" جنا "
كنتِ قلبٌ أخر داخلي يتنفس ..
خبأتكِ بي علي أفلح في هجرك , كأحزان عمري الماضية ولم أفلح ..
كل لحظاتي أصبحت تشير إليكِ ..
رأيتك ذات مساء في حديقة منزلنا , تسألت كيف استطعتِ الفرار من قلبي ؟

قطفت زهرة أوركيد من تلك التي كانت تعتني بها أختي ..
وقدمتها لكِ مسبقة ب اعتذاري ..
تلك الأزهار تثير جنوني آنستي ..
فلا أعلم من منكم يشبه الآخر ..؟
ببساطة اِبتسمتي ..
عادت أختي و جمعنا حوار واحد كنتِ به ..
بسيطة ..
عفوية ..
لكِ ابتسامة بيضاء , تشبه زهرة الأوركيد التي قدمتها لكِ و تركتها على الطاولة حين غادرتي ..

كـ المعتاد..
ينتهي لقاؤنا بعد أن تبعثري كل ابتساماتكِ , وملامحكِ , وحديثكِ بي ..
أمضي في طريق صمتي إنسان آخر ليس لي همٌ سوى ترتيبكِ من جديد داخلي..!

بجنون الحب استيقظت يوماً ..
ارتشفت قهوتي قرب قطعة شوق أذبتها داخل فنجاني ...
حاولت قتلك بقهوة ساخنة ..
وقتل الوقت أيضاً ..
لـ أتفاجأ بأنكِ أصبحتِ أمام عناوين أخبار جريدتي , بعد أن بعثرتها غاضبةً مني..!
تركت الجريدة , و مضيت إليك ..!

يوم ميلاد أختي ..
كان من المؤكد بأنني سأراكِ ..
وفعلاً رأيتك ..
كنتِ ككل مرة أشاهدكِ بها بسيطة , عفوية , وجميلة ..
أتيتِ مبكرة لتساعدي أختي في تنظيم زينة منزلنا , كنت أراقبك من خلف أسطر الجريدة التي بين يدي , دون أن يختلس النظر إليّ فنجان قهوتي ويشاركني بكِ , أتيتِ وقطعتي شوقي الدائم لمراقبتكِ كنتِ تبتسمين بعفوية , حين سألتني أي ألوان الأزهار أجمل , لـ أجيبك تلك التي تحمل ابتسامتك ِ , ابتسمتي من جديد , وضربتي كتفي بخفة ورددتِ حقاً يا "هاشم" أي ألوان الأزهار أجمل , لأجيبك لونك ِ المفضل ..!
حينها صرختِ منتصرة على أختي أن أجمل الأزهار تلك التي تحمل لون ابتسامتكِ ..!

ككل مرة رافقتني الشرفة بقضاء ما تبقى من الوقت مستيقظاً , حين رأيتك في منامي عذبة , جميلة في كل شيء , عدا تلك الدماء التي لونت كفي حين لمست أناملك ..!!
هطولك ذلك المساء أنهكني , ورغم هذا لم يعد لي القليل من السبات , لم يحملني سوى الكثير من الأرق

اتخذ حبك داخلي أشكال كثيرة تشبهكِ , إلا ذلك الشكل الذي يبعث على الأمل..!
كنت حزينا جداً لأنكِ سكنتني , وكذلك سعيداً جداً , ولكن الحنين في كل مره يقتلني إليك ..!
الأمر المرّ هنا : كنت أقف بمفترق طريق , لا يؤدي إلى شيء ..!

في ذلك اليوم عدت لـ أجلب أختي من منزلكم , حين قابلتني بابتسامتك البيضاء التي أعشقها , وطلبتِ مني أن أشارككم الحديث ولو لوقت قصير , وفعلت , لم تكوني أنتي وأختي فقط , بل كان هناك أخاكِ وشخص أخر عرفتني به , حاضراً ..!

فـ جأتني تصرفاتكِ إذ أنه كان لكِ ملامح جميلة , تختلف , أمام كل شخص تتحدثين معه ..!
مع أخاكِ , كنتِ تتحدثين بكثير من الاحترام والود العميق ,..!
ومعي بعفوية وببساطة و نقاء , وكأنني وحدي من نشأ معكِ ..!
أما معه , فـ بكثير من الخجل والهدوء
وجنتيك تلك التي تشبه أوراق الزهر , لا تتلون إلا إن التقت نظراتكِ به..!
أما ذلك الوميض الذي كان يحلق أمام عينيكِ عندما استقبلتني , لم يكن إلا فرح استطاع حضوره أن يزرعه مابين أضلعكِ ..
في تلك اللحظات مت , وأدركت أنني كنتُ كذلك منذ زمن بعيد قربك..
الآن يا عزيزتي رأيت رداً أقنعني , وأقنع نبضاتي , التي كانت تعود من كل اِعتراف خائفة متشبثةٌ بزوايا أوردتي بكاءً , متعجبة أمرنا..!
حقيقة أدركت , لما كانت ملامحك لا تشبه ملامحي جنوناً في كل لقاء ..!!

تلك هي أرصفة الحب , تأتي بما لا نشتهي ..
ولكننا نخضع في نهاية الأمر ..
فالقدر قد خط على جبين القلوب..!

آنستي أعدك , لن أمضي إليك سوى إن فعلها قلبي وخانني دون أن أدري معكِ ..!

كانت أختي قد سبقتني إلى الخارج , حين أتاني صوتك من الخلف..
مددتِ إليّ بمجموعة مختلفة من أزهار الأوركيد ..
معلله أن ريم قد أخبرتكِ أنني أعشق جداً تلك الأزهار ..!
عشقي لها لم يبد إلا منذ عرفتك..!
لم أتناولها منكِ و أخبرتكِ ..
أن أزهارك لا رائحة لها..!
تركتك ومضيت ..

في أي الطريقين أمضي ..
أصبحت أعلم , ولكن خطواتي ميتة لا حياة بها ..!
آسف آنستي ..
كنت سأموت بكِ ..
وها أنا أموت دونكِ ..!
فلا طعم للحب حين يأتي اِنتزاعاً ..!

طريق العودة كان الطريق أكثر غربة مما مضى ..!

هذا المساء لم يأتِ وعلى أجنحته حلم و أمل و أمنيات, كـكل ليلة إنما أهداني شيء من واقع أكثر صدقاً , حين أعاد إلي جميع اللحظات معكِ ...
فلم تسايرني ليلتها اللحظات على الابتسام , أو النوم , بقدر ما أثقل عاتقي كمداً و أسى ذلك الحب المزروع لك مابين أضلعي , لأنه ولد مثلي
يتيماً سوى من الشقاء ..!
ككل مرة تعود الحسرة لتنتابني على نفسي فأبكي صمتاً , لأجلي , ولأجل هذا الشقاء الذي كتب علي أن أكابده طوال عمري وحيداً سوى من دقات الساعة وقلبي , وبعض من خطوات الليل على أكتافي ..!!

صباح ذلك اليوم أعلن قدومه بـ حـزن , عدا من ضوء ضئيل استطاع انتزاع أنفاسه من بين الغيمات ...
فبكى وبكت السماء ..!!

بالنسبة لي توقف ركب سير الحياة , غير أن أيامي تأتي بما لا أتوقع من أمل جم ورغم هذا لا أعلم سر تلك القوة التي تأتيني في كل مرةٍ من انكساري ..!؟

مساء ذلك اليوم كنتِ قد عبرتي ممرات أوردتي بعد أن أثقلني الحزن لأجلك , لم تغادريني ولكنِ كنت رغم إحساسي بك أقوى ..
لم أنسك ِ.. !
ولم أتخطى تلك الحدود التي كنت أتمناها .
سر حزني لم يفقهه أحد , وكذلك تجنبي اللقاء وإياكِ , رغم أنني في كل لقاء أتجنبكِِ به أعود لأكرهني أكثر فأتيقن بأنكِ مازلتِ كل الأشياء داخلي..!
صدقاً فأنا أصبحت أقيس أيامي بتلك اللحظات التي أجبر نفسي بها على خوض مغمار الحياة المزدحم بالتائهين أمثالي , غير عابئ بـأي شيء سوى تعاطي يوم جديد من حياتي دونكِ ..

ككل مرة يزورني بها الفرح , شعرت بـ " يوسف " قربي ..
تنهدت بعمق بعد أن وصلتني الموافقة النهائية على استلامي دار الأيتام كـ مسؤول مناوب ..
تجرعت غصة الشوق والحنين لما كان في طفولتي قرب يوسف وتحاملت على حزني وابتسمت ..
سأعود طفلاً ..
سأكون ذلك الحلم الذي أغلقت أجفاني في طفولتي عليه في تلك الدار ولم يتحقق ..
سأكون حلم أطفال آخرين ..!
سأكون أباً وليس بأي معرفٍ كان ..!

الآن وأنا أضع قدميّ على عتبات باب الملجأ أيقنت كم تغيرت , وكم هي السماء كريمة معي حين أعادتني لأرسم على أيامهم ابتسامة لا تشبه تلك التي نمت أعوماً معي ..
هي الحياة قاسية ولكني علمت ذلك متأخراً , بقدر ما عشت قسوتها مبكراً ..!

لبعض الأحلام " قمر" تحتويه سماء ولا يضئ على أرض..!
أنتي لم تتسع لكِ مجرات أحزاني , لذا استوطنت قلبي , ورضيت ..!


في الداخل , الوقت توقف !
في الخارج , أصوات ضحكاتهم تعبر نحوي تأتي بكل التفاصيل الصغيرة لأحلم من جديد معهم..
الآن , الوقت مازال يمضي نحو يوم آخر من عمر الغد !





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق